29 - 06 - 2024

ابداعات | مرايا العفن ... قصة قصيرة بقلم: د. محمد عمر

ابداعات | مرايا العفن ... قصة قصيرة بقلم: د. محمد عمر

 استيقط في فراشه الذي جمع كل جزء فيه من حضارة مختلفة، في تشابك أرابيسكي، يذكِّرهُ بأصلهِ في قصرهِ المنيفِ الذي أسَّسهُ في أعماق البحرِ... يتأمَّلُ من خلال زجاجه السَّميك الشِّعاب والأسماك والكائنات أمام عينيه ملك يديه...! يتراخى جسده تدريجيا مع مداعبات فاتنات السينما العالمية اللائي احتشدن لراحته، وملكات الجمال في المائة سنة الأخيرة... أدهشه أنهنّ لم يتجاوزن العقد الثالث، لم تزر بهنَّ العوادي ...! 

امتدّ بصره بعيدًا ؛ فتجسّدت أمامه حيوانات مفترسة بينها كائنات ضعيفةٌ، تُلتَهم في شراسة ودمويَّة...! ألحَّت على ذاكرته سطورُ كتاب تقول: الإنسان أصله حيوان، بعضه مفترسٌ؛ كالسِّباع والذِّئاب، وبعضهُ أليفٌ؛ وثمة أسماكٌ وطيورٌ وكائناتٌ أُخرى، وكل يحنُّ إلى أصله...! 

على شاشة كبيرة أمامه تسطع صورة لطبيب مشهور تبدو في ملامحه عيون ناقة خفوت، وقلب قطة مات أولادها، وألفة حمامة تنوح على فقد أحبابها...! يسأله المذيع في نبرة إعلامية محايدة: ما شعورك وأنت تشم رائحة هؤلاء الأطفال وقد تعفنت جثامينهم؟! أغلق التلفاز بسرعة حرصًا على مشاعر الفاتنات...! 

- "ألا توجد قوة قادرة على كبح جماح هذه الحيوانات المفترسة، سيدي؟! تسأله إحداهنَّ. يقلب نظّارة الميتافيرس الملعونة.. ويحلق بعيدًا "ألم تتطور بعض السلالات لتشعر بآلام البشر حين يرون جثامين أطفالهم تتعفن، وآباؤهم عاجزون عن دفنهم سيدي ؟! تسأله أخرى. يخلع نظارته ويمسك بفرشاته ليخط نسخًا بكل ألوان الدم من السؤال... ليعلّقها على كلّ أسوار حدائقنا؛ لعلَّ إنسانًا يأتي بعد ألفِ عام، ويجيب سؤال المذيع...!
----------------------
بقلم:د. محمد عمر*
‎‎* أستاذ الأدب والنقد ووكيل كلية الآداب لشؤون التعليم والطلاب






اعلان